ثقافة بسِعر الجملة ، بقلم : رافي مصالحة
استضافت قناة فضائية محلّية "مُجمّلة نساء" ("كوافيرة") وخلال الحوار شهدت لنفسها: " ما أجمل أن أكون مثقفة مشهورة !".
المحامي رافي مصالحة - صورة من الكاتب
لم تكن مختصة طلاء الأظافر تلك اول من يدّعون الثقافة، ويتبجحون بثقافة الإطلاع الواسع على علوم الأصباغ التجميلية وقصّات الشعر المُعاصرة والأزياء، ويتظاهرون ويتطاولون باكتسابهم للمعرفة والتجارب فيشهدون لأنفسهم (زوراً) ويحوزون بغير جدارة على لقب "مثقف". لكن ما يثير حفيظتك هو السؤال: منذ متى كانت الثقافة إدّعاءً، لا انعكاساً مباشراً يظهرُ في طبيعة سلوك الإنسان وتعامله مع الآخرين ؟.
يقول الفيلسوف الإيطالي الشيوعي أنتونيو غرامشي (Antonio Gramsi) الذي عاش قليلا (38 سنة فقط) وقضى 10 سنوات في سجون موسوليني الفاشية، أن الثقافة خليط من التنظير والتطبيق، بل يُفضَّل أن يكون الإنسان مثقفا في التطبيق الواقعي، حتى لو انعدمت قدرته على التنظير الذي أرسى قواعده في الخيال. يرى غرامشي الفارق بين المثقف التقليدي والمثقف العضوي، بأن الاول يعيش متوحداً في برجه العاجي منقطعاً عن آلام العامّة، ويعتقد انه اعلى من كل الناس، في حين ان الثاني يحمل هموم كل الطبقات وكل الجماهير وكل الفقراء والمحرومين والكادحين والمغبونين والضعفاء، ولذا، فان المثقف الحقيقي هو المثقف العضوي الذي يعيش هموم عصره ويرتبط بقضايا امته.
إن اي مثقف لا يتحسس آلام شعبه ولا يأبه لها، لا يستحق لقب المثقف حتى وان كان يحمل ارقى الشهادات الجامعية.
كثيرا ما تصادف إنساناً متعلما، بمعنى انه حاز على شهادات عليا، لكنه يفتقر إلى العمق الثقافي، حيث يتضح هذا في طبيعة سلوكه وأفكاره وعلاقاته الإنسانية، ولكثرتما يصادفك إنسان لم يحصل على فرصة التعليم، بيد أنه مكتنزٌ ثريّ من الناحية الثقافية، ويبدو للجميع توهج فكره الإنساني بالقيم الراقية والتصرف المتزن، واستنادا إلى هذا العمق الثقافي الذي يتحلى به، ستجده مكتمل الصفات والسجايا في الجانب السلوكي والتفكيري.
إن الوقوف امام شراسة الهجمة الرأسمالية الجديدة لا يمكن ان يخفف اكتساحها إلا المثقفون الذين ارتبطوا عضويا وإنسانياً بمجتمعاتهم. إن المثقف الحقيقي اليوم هو عملة صعبة جداً، اذ يكاد يختفي في خضمّ اولئك المثقفين التقليديين من طرف، واغلبهم رجال دين وموظفين ومهنيين وحرفيين وكتبة. واولئك المثقفون السلطويون من طرف آخر واغلبهم من الكُتاب والاعلاميين والصحفيين والفنانين والمحررين التابعين الخاضعين بمحض اختيارهم للسلطويين. وهنا لابد من الاعتناء والإصغاء لكلّ المثقفين الحقيقيين الذين يمكنهم ان يكونوا باعمالهم وابداعاتهم ونضالاتهم ترجمة لمعاناة مجتمعاتهم وبديلاّ حقيقيّاً لقياداتها المتهافتة.
من هنا وهناك
-
مقال: ‘ترامب: أحبه ويُحبني وتُحب مصالحه تحالفي‘ - بقلم : أحمد سليمان العُمري
-
مقال: الخطايا الثلاث لمرشح الانتخابات - بقلم : اسعد عبدالله عبدعلي من العراق
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي.. عسل
-
المحامي زكي كمال يكتب : ترامب .. بين قيادة العالم وجرّه إلى الهاوية
-
‘لم يكن بالإمكان أفضل مما كان‘ - بقلم : وسام بركات عمري
-
الحسّ الأنثوي في رواية ‘رحلة إلى ذات امرأة‘ للروائية المقدسية صباح بشير - بقلم : علاء الأديب
-
‘ في ذكرى وفاة أبي: لا عزيز ينسى ولو مرّ على وفاته ألف عام ‘ - بقلم : الكاتب أسامة أبو عواد
-
‘ أرجوحة ماغوطيّة ‘ - بقلم : حسن عبادي من حيفا
-
‘ تغيير الواقع ‘ - بقلم : د. غزال ابو ريا
-
المحامي زكي كمال يكتب : العنصريّة داء الأمم وبداية تفكّك الدول
أرسل خبرا