logo

مقال: ‘درع الأمة: بين الحماية والانكسار‘ - بقلم: سليم السعدي

بقلم : الكاتب الفنان سليم السعدي
11-05-2025 09:53:45 اخر تحديث: 18-05-2025 04:59:20

في زمنٍ تتكالب فيه القوى وتتشابك فيه المصالح، تصبح الأمة التي تفقد درع الأمان كالجسد العاري أمام السهام، لا يقيها جلدها ولا تنفعها صرخاتها. فالدروع ليست مجرد رموز عسكرية أو هياكل دفاعية، بل هي البنية الأخلاقية،

والنفسية، والاجتماعية، والسياسية، التي تحفظ تماسك الأمة، وتمنحها القدرة على الصمود أمام تقلبات الزمان وغدر العدوان

لقد شبّهت بعض الثقافات الإنسان بقلبٍ تحيطه الأضلاع لتحميه، والقفص الصدري هذا، وإن كان هشًّا في طبيعته، إلا أنه عند كسره يترك ألمًا لا يُحتمل، وجراحًا لا تُشفى بسهولة. كذلك هي الأمم: إذا انكسر درعها، وتهشّم تماسكها، فإن الألم يطال وجدانها الجمعي، ويغور في ذاكرتها، ويطبع على حاضرها بصمة انكسار يصعب محوها

مفهوم "درع الأمة"

درع الأمة ليس سلاحًا ماديًّا فقط. بل هو

•الهوية الجمعية: عندما تعرف الأمة من هي، وماذا تريد، ومتى تقول "لا"، فإنها تضع أول لبنة في درعها

•العدالة الداخلية: حين يشعر أبناؤها أن الحقوق تُحترم، والكرامة مصانة، وأن لكل فرد مكانًا في ظل القانون، فإن المجتمع يتحصن ضد الانهيار

•الوعي التاريخي والسياسي: إن فقدت الأمة ذاكرتها، سهل التلاعب بها. لكن من يعرف تاريخه، ويحسن قراءة حاضره، لا يُقاد إلى الذبح وهو نائم

•اللغة والثقافة: أدوات التمايز والتعبير، ودرع ناعم لا تراه العين لكنه يحفظ الروح من الذوبان

حين ينكسر الدرع

عندما تفقد الأمة عناصر هذا الدرع، تبدأ رحلة الانحدار، لا بصخب، بل بصمت خافت يشبه نزفًا داخليًا لا يلاحظه أحد في البداية

يتكسر الدرع أحيانًا بخيانة الداخل، وأحيانًا بغفلة القادة، وأحيانًا بصمت العامة. لكنه دائمًا ما يبدأ من شرخ صغير، قد يكون في منظومة التعليم، أو في خطاب النخب، أو في السكوت عن الظلم

إن الشعوب التي تُحكم بالقهر ولا تملك أدوات مساءلة الحاكم، تلك التي يُستبدل فيها الوعي بالإعلام الموجّه، والحرية بالتخويف، والأمل بالوعود الفارغة، تجد نفسها تسير، دون درع، نحو معركة خاسرة.