بلدان
فئات

27.07.2025

°
12:12
بن غفير عن إدخال المساعدات الإنسانية: ‘استسلام لحماس‘
11:23
بعد تحويل جثتها إلى التشريح.. قريب الشابة من مشيرفة لبانيت: ‘ليست جريمة قتل بل مأساة حقيقية‘
10:50
لجنة المتابعة: ‘بدء الاضراب عن الطعام ضد حرب الإبادة والتجويع والتهجير‘
10:24
في ظل تزايد معدلات العنف وانتشار جرائم القتل.. حسين الحجار: ‘الإصلاح المجتمعي يتطلب النية الصادقة أولا‘
10:16
الجيش الإسرائيلي: مقتل ضابط وجندي في قطاع غزة
08:43
تمديد اعتقال موظف في السفارة التركية بشبهة تصوير فتيات داخل حمام شاطئ في تل أبيب
08:32
اصابة فتى (16 عاما) بجراح متوسطة اثر تعرضه لحادث عنف في رهط
08:19
موجة الحر تبلغ ذروتها اليوم.. أجواء لاهبة وتحذيرات من التعرض لأشعة الشمس
08:14
تقرير: شاحنات المساعدات الإنسانية تبدأ بالتوجه من مصر إلى غزة
08:01
الترويكا الأوروبية تدعو إلى إنهاء الحرب في غزة
07:40
كابوس هاميلتون في سباق جائزة بلجيكا الكبرى يزداد سوءا
07:37
العثور على جثة ليالي قاسم اغبارية من مشيرفة داخل شقة سكنية - عائلة المرحومة: الحديث يدور عن حادثة مأساوية أودت بحياة الشابة
06:43
إسرائيل تعلن عن هدنة إنسانية لساعات بعدة مناطق في غزة - مصادر فلسطينية: 4 شهداء بقصف خيمة تؤوي نازحين بدير البلح
06:42
تحالف أسطول الحرية: الجيش الاسرائيلي اقتحم السفينة ‘حنظلة‘ المتجهة إلى غزة
06:41
مقتل جندي اسرائيلي خلال المعارك في خان يونس
21:18
تلفزيون: سوريا وإسرائيل بحثتا احتواء التصعيد في جنوب سوريا
20:12
مصرع شابين بحادث طرق على شارع 654 قرب ‘جفعات عادا‘
20:12
طفل (10 سنوات) بحالة خطيرة اثر انقلاب ‘تراكتورون‘ في رهط
19:25
الشرطة: اعتقال المشتبه بتنفيذ عملية دهس الجنود في كفار يونا بورشة بناء
18:40
كفركنا : شاب بحالة متوسطة اثر حادث عنف
أسعار العملات
دينار اردني 4.74
جنيه مصري 0.07
ج. استرليني 4.52
فرنك سويسري 4.22
كيتر سويدي 0.35
يورو 3.94
ليرة تركية 0.11
ريال سعودي 0.98
كيتر نرويجي 0.33
كيتر دنماركي 0.53
دولار كندي 2.46
10 ليرات لبنانية 0
100 ين ياباني 2.27
دولار امريكي 3.36
درهم اماراتي / شيكل 1
ملاحظة: سعر العملة بالشيقل -
اخر تحديث 2025-07-27
اسعار العملات - البنك التجاري الفلسطيني
دولار أمريكي / شيكل 3.38
دينار أردني / شيكل 4.78
دولار أمريكي / دينار أردني 0.71
يورو / شيكل 3.96
دولار أمريكي / يورو 1.1
جنيه إسترليني / دولار أمريكي 1.31
فرنك سويسري / شيكل 4.24
دولار أمريكي / فرنك سويسري 0.8
اخر تحديث 2025-07-27
زوايا الموقع
أبراج
أخبار محلية
بانيت توعية
اقتصاد
سيارات
تكنولوجيا
قناة هلا
فن
كوكتيل
شوبينج
وفيات
مفقودات
كوكتيل
مقالات
حالة الطقس

قصة ‘حكاية كون بلا لون‘ - بقلم: الكاتبة اسماء الياس من البعنة

موقع بانيت وصحيفة بانوراما
11-07-2025 17:52:57 اخر تحديث: 12-07-2025 07:48:00

عندما بدأت الألوان تفقد رونقها، بدأت الحيرة تظهر على وجوه كل من أقابله. لم يكن الأمر مفاجئًا كصيحة ألم، بل كان تلاشيًا بطيئًا، مؤلمًا، أشبه بذاكرة تتآكل. في البداية، ظننا أنها مجرد وهم، خدعة بصرية من عيون أنهكها السهر،

اسماء الياس من البعنة - صورة شخصية

أو غبار خفيف يكسو الأشياء. لكن يومًا بعد يوم، أصبحت الزرقة في السماء باهتة أكثر، والخضرة في الأشجار شاحبة، حتى تحول كل شيء إلى تدرجات من التي لونها الرمادي.

الطعام، الذي كان في يوم من الأيام ينبض بالحياة، فقد نكهته ولونه. أذكر كيف كانت أمي تحكي لي عن حقول الفراولة الحمراء، وتذوق التفاح وهو يفرقع بحلاوته في الفم. الآن، كانت الفاكهة تبدو ككتل رمادية موحدة، لا طعم لها، مجرد مادة تملأ البطون. اختفت البهجة من موائدنا، وأصبحت التجمعات صامتة، يشوبها إحساس عميق بالخسارة.

كنت أرى الحيرة في عيون جيراني، في قسمات وجه البائع في السوق، حتى في انعكاس صورتي الباهتة على زجاج النافذة. كنا نسأل بعضنا البعض بصمت: "ماذا حدث؟ لماذا؟" كانت الأجوبة تائهة، تتراوح بين اللوم على التلوث الحاصل في عالمنا. لكنني، في أعماقي، كنت أشعر أن هناك سببًا أعمق، شيئًا يتعلق بنا، نحن البشر.

ذات يوم، أفقت صباحًا على طائر يقف على شباكي. لطالما كانت الطيور مصدر بهجة، تزقزق بألوانها الزاهية التي كنا بالكاد نتذكرها. لكن هذه المرة، لم يكن كذلك. كان الطائر باهتًا، رماديًا، بلا حياة في ريشه، وكأنه رسم بالقلم الرصاص على لوحة كانت مليئة بالألوان. ذعرت. 

لم تكن هذه مجرد حيرة بل كانت صدمة أن أرى الجمال يتلاشى هكذا أمام عينيّ. صرخت بصوت عالٍ، صرخة ممزوجة بالخوف واليأس من هذا الواقع الجديد.

سمعتني أمي، ركضت إلى غرفتي، وعيناها تحملان نفس مزيج القلق والحيرة الذي كان يسكن الجميع. نظرت إلى الطائر الباهت، ثم الى نفسي وربما فهمت دون أن أنطق كلمة، أن هذا التلاشي لم يعد مجرد ظاهرة عامة، بل أصبح يمسنا بعمق في أدق تفاصيل حياتنا.

لم تتكلم أمي. كانت نظراتها تتنقل بيني وبين الطائر المسكين، كأنها تبحث عن تفسير أو عزاء في مشهد أصبح مألوفًا ومروّعًا في آن واحد. 

الصمت ثقل في الغرفة، بدا أثقل من أي كلمة يمكن أن تُقال في مواجهة هذا التلاشي التدريجي للحياة.

لكن ما جعلها تنطق هو عندما نظرت نحو حديقة منزلنا. كانت الحديقة التي لطالما اعتنت بها أمي بحب، والتي كانت يومًا تعج بالخضرة والزهور. الآن، وجدت أن الأشجار هي أيضًا فقدت خضرتها، تحولت إلى هياكل رمادية باهتة، فروعها عارية وكأنها استسلمت لمرض خفي.

هنا، انبعث صوتها، ليس بصراخ أو فزع، بل بهمهمة خافتة، ممزوجة بأسى عميق: "لم يعد هناك شيء... كل شيء يذبل." كان صوتها يحمل ثقل السنين، وثقل كل لون تلاشى، وكل نكهة اختفت. تلك الكلمات القليلة كانت أثقل من أي خطاب، لأنها جاءت من قلب أم رأت عالمها يتآكل أمام عينيها.

تملكني شعور بالخوف، خوف بارد تسرب إلى عظامي. لم يكن الأمر مجرد حيرة بعد الآن، بل يقين مؤلم بأن شيئًا فظيعًا قد حل بنا. شعرت وكأن العالم كله بدأ يرتدي لون الموت، لون بلا حياة، بلا أمل. كان الأمر أشبه بكابوس يستيقظ المرء ليجده حقيقة مروعة.

لم تعد القضية مجرد تلاشي الألوان، بل كانت إحساسًا بأننا نفقد جوهر وجودنا، أننا ننزلق نحو العدم. هذا الخوف، كان مختلفًا عن أي خوف شعرت به من قبل. كان خوفًا على ما كان، وعلى ما لم يعد موجودًا، وعلى ما لن يكون أبدًا.

بالتأكيد، لم يكن هناك استسلام. في أعماق ذلك الخوف البارد، تملّكني شعور آخر، شعور بالتحدي الذي أيقظ فيّ قوة لم أكن أعرفها. لم أكن لأقبل أن يصبح عالمنا بهذا اللون هو لون الموت. كان هناك شيء بداخلي يصرخ بأن النهاية ليست هنا.

وفي تلك اللحظة بالذات، بدافع لا يُقاوم، تذكرت راسم. راسم، حبيبي، الشخص الذي كان دائمًا يرى الألوان حتى في أكثر الأماكن قتامة. كان هو من يمتلك الشغف والحيوية، ومن كان يمكن أن يفهم هذا الجنون الذي بدأت أشعر به. كان عليّ أن أتصل به.

بمجرد أن سمع صوتي، قال لي والخوف بادٍ من خلال نبراته: "هل يوجد خطب ما، حبيبة القلب؟" كان صوته يحمل قلقًا عميقًا، كأنه شعر باليأس الذي تسرب إلى نبراتي، أو ربما هو أيضًا كان يصارع ذات المخاوف التي تملّكتني. كان يعرفني جيدًا، لدرجة أنه استشعر القلق حتى قبل أن أنطق بكلمة واحدة.

أخذت نفسًا عميقًا، محاولة جمع شتات أفكاري المتناثرة بين الذعر والتحدي. لم أكن أعرف من أين أبدأ، كيف أصف له أن عالمنا أصبح له لون الموت، وأن الخوف بات ينهش روحي.

تنفستُ الصعداء. لم أكن وحدي في هذا الجنون. قال لي راسم بصوته الذي حمل نفس الألم والقلق الذي اعتمل في صدري: "أعلم سبب قلقكِ وخوفكِ. هذا ما حصل لي عندما أفقتُ من النوم، وعندما شربتُ قهوتي، وعندما نظرتُ من النافذة، وعندما شممتُ النسيم.

كلماته كانت كالماء البارد على لهيب روحي. لم يكن مجرد إحساس بالخوف، بل هي تجربة مشتركة تلامس أدق تفاصيل حياتنا اليومية. هو أيضًا رأى العالم يتلاشى أمامه، خطوة تلو خطوة، من أبسط متع الحياة كفنجان القهوة، إلى اتساع الطبيعة كنسيم الصباح.

لم نعد بحاجة إلى شرح مطول. كانت كلماته القليلة كافية لتعبر عن مأساة مشتركة.

"يجب أن نعمل على استعادة ما ضاع!" قلتُها بحزم، وصوتي مليء بالتصميم الذي حل محل الذعر. لم يعد الأمر يتعلق بالخوف فقط، بل بتحويل ذلك الخوف إلى قوة دافعة. كلماته أكدت لي أننا نواجه شيئًا حقيقيًا، وأن هذا التلاشي لم يكن وهمًا. كانت رؤيتنا المشتركة هي الشرارة، والآن حان وقت العمل.

"يجب البحث عن جذور الحقيقة! كيف تحول عالمنا بين ليلة وضحاها إلى عالم خالٍ من الحياة؟" قلتها بحماس، عازمة على عدم الاستسلام لهذا الواقع الباهت. شعرتُ أن راسم كان يشاركني نفس الشغف لإيجاد إجابات.

ولم نكن وحدنا. في الطرف الآخر من الغرفة، كان والدي السيد حنا إبراهيم يستمع إلى حديثي مع راسم. لاحظتُ نظرته الثاقبة، التي كانت تحمل مزيجًا من التأثر والتفهم. بصفته شاعرًا وكاتبًا وذا خلفية سياسية واجتماعية، كان والدي هو الشخص الوحيد القادر على فهم عمق مأساتنا هذه، وربطها بخيوط التاريخ والواقع.

عندها، فكر راسم للحظة ثم قال لي بصوت يملؤه التصميم: سوف أكون عندكِ حالاً حتى نبحث سر هذا التحول المفاجئ.

قلبي ارتاح لكلماته. لم يكن هناك وقت للتردد. أخبرتُ والدي بمجيء راسم، وعلى الفور، بدت على وجهه علامات الترقب. كان يعرف أن هذا اللقاء ليس مجرد زيارة عادية، بل هو بداية لشيء أكبر، بداية لرحلة قد تكشف عن حقائق طالما سعى هو نفسه لفهمها. كان السيد حنا إبراهيم بانتظارها.

كان راسم قد وصل، وعيناه تعكسان تصميمه وعشقه الذي لا يتزعزع. لم تكن هناك حاجة لكثير من الجدل، فالتفاهم كان حاضرًا. بدايتهما كانت مباشرة: البحث عن أصل المشكلة.

كان أول دليل لهما في هذه الرحلة المليئة بالغموض هو الانطلاق نحو الأماكن التي ربما لم تمسسها يد الدمار بشكل مباشر. وجهتهما كانت إلى الغابات المنسية، والصحاري الشاسعة، ومنابع المياه النقية التي يُشاع أنها صمدت في وجه تلوث الحروب. كان كل مكان أملًا جديدًا، كل خطوة تحمل وعدًا بكشف سر التلاشي.

وبعد بحث مضنٍ، عثرا على ما كانا يبحثان عنه: زهرة يانعة ما زالت تحتفظ برونقها. كانت تقف وحيدة في مكانٍ لم تلوثه أيادي الحرب، دليلًا حيًا على أن الحياة تستطيع أن تقاوم، وأن الجمال يمكن أن يصمد. تلك الزهرة لم تكن مجرد نبتة؛ كانت شرارة أمل، ومفتاحًا قد يقودهما إلى فهم كيفية استعادة الألوان والنكهات لبقية العالم.

كانت تلك الزهرة اليانعة موجودة في مكان منزوٍ وبعيد، وكأنها خبأت نفسها عن كل ما يُعرف بالتلوث. لم تكن مجرد نبتة عادية؛ كانت شهادة حية على أن بعض الجمال يمكن أن يصمد، وأن الحياة تجد دائمًا طريقًا للتمسك برونقها، حتى في أحلك الظروف.

أثناء وجودكما بجانبها، ومع كل نفس يدخل الرئة من هوائها النقي، وكل نظرة لتلك الألوان الخافتة التي ما زالت تحتفظ بها، أدركنا الحقيقة. لم يكن البحث عن الألوان والنكهات في مصادر مادية أو حلول سطحية، بل كان علينا البحث عن المصدر الذي يعيد للحياة رونقها: السلام الذي يحتاجه عالمنا.

تلك الزهرة المعزولة، التي نجت من ويلات الدمار، لم تكن سوى رمز. رمز يخبرنا بأن الكون سيعود إليه توازنه وألوانه ونكهاته عندما يعم السلام قلوب البشر وعندما يتوقفون عن تمزيق نسيج الحياة بالحروب. لقد كانت رسالة واضحة: الجمال لا يمكن أن يزهر في أرض مليئة بالصراع، والنكهة لا يمكن أن تتجلى في عالم يتسم بالمرارة.

كان والدي يستمع لنا بكل شغف، وعيناه تعكسان فهمًا عميقًا لرحلتنا واكتشافنا. عندما انتهينا، لم يكن صامتًا، بل طرح فكرتين عكستا حكمته ورؤيته البعيدة:

لماذا لا نقوم برحلة بأنحاء الكون، ندعو فيها للسلام؟ 

قالها، كأنما يرى الصورة الكبيرة، الأثر الذي يمكن أن يحدثه نشر رسالة الأمل هذه. وفكرة أخرى... لمَ لا تقيمان جمعية؟ نطلق عليها اسم إشفاء.

كانت أفكاره بمثابة جسر بين ما اكتشفناه من حقيقة روحية وعاطفية، وبين تطبيقها على أرض الواقع. رحلة تدعو للسلام هي إعلان للعالم، وجمعية "إشفاء" هي تجسيد للعمل المباشر على مداواة الجراح التي سببتها الحروب. لقد منحنا والدي الخارطة والوسيلة لتحويل الإدراك إلى فعل.

بالتأكيد، كانت الأولوية لتأسيس جمعية "إشفاء". لم يكن مجرد اسم، بل كان وعدًا، ورسالة أمل في عالمٍ غارقٍ في اليأس. لقد عينا مسؤول حتى تكون الجمعية تحت رعايته. وأن يحمل على عاتقه مهمة مداواة الجراح التي سببتها الحروب. طبعا بوجودنا معًا.

وبمجرد أن سمع أصدقاؤنا المشتركون بالجمعية وفكرتها النبيلة، لم يترددوا لحظة واحدة. لقد بذلوا أقصى ما عندهم ليكونوا من الأوائل في دعم الجمعية، سواء بالجهد، أو بالوقت، أو حتى بمشاركة قصصهم وتجاربهم. كان إيمانهم بفكرتنا هو الوقود الذي دفعنا إلى الأمام، تأكد لنا بتلك اللحظة المفصلية بأننا لسنا وحدنا في هذه الرحلة.

لقد بدأت "إشفاء" كبذرة صغيرة، لكنها سرعان ما وجدت أرضًا خصبة في قلوب المتعطشين للأمل والشفاء.

قمنا بمبادرات تجاوزت مجرد الحديث عن الشفاء. لقد أقمنا حفلًا موسيقيًا ترفيهيًا كان الأول من نوعه في هذا العالم الرمادي، تبعته أمسيات ثقافية شعرية وأدبية أعادت إحياء الكلمة والجمال. ولم نكتفِ بذلك، بل أقمنا تدريبًا للعزف على الكمان والبيانو، لتعليم الأجيال الجديدة لغة الموسيقى التي كادت أن تُنسى.

كانت هذه المبادرات بمثابة رذاذ ماء على أرض عطشى. الحفل الموسيقي ملأ الأجواء بألحان لم يسمعها الكثيرون منذ زمن طويل، والأمسيات الشعرية أعادت للكلمات وزنها ومعناها، بينما تدريب العزف غرس بذور الأمل في نفوس الأطفال والشباب، مانحًا إياهم أدوات للتعبير عن أنفسهم وعن عالمهم الجديد.

بالفعل! لم يكن الفن وحده هو العلاج. عندما بدأ العديد من الاختصاصيين النفسيين بتقديم مبادرات لإقامة ندوات "إشفاء" لكل من تأثر بالحرب، اكتملت الصورة. لقد كان هذا دمجًا ضروريًا للعمل الروحي والبيئي والفني مع الدعم النفسي المتخصص.

الموسيقى والأدب أوقظا الأمل، لكن الجراح العميقة في النفوس احتاجت إلى لمسة الشفاء المباشرة. هذه الندوات وفرت مساحة آمنة للناجين ليعالجوا صدماتهم، ويتحدثوا عن آلامهم، ويجدوا الدعم اللازم لإعادة بناء حياتهم من الداخل. كان هذا التدخل النفسي حاسمًا في مساعدة الناس على تجاوز اليأس، والتخلص من عبء الغضب والحزن الذي كان يثقل أرواحهم.

وبفضل هذا الجهد المتكامل، بدأت الحياة تستعيد توازنها بشكل ملحوظ. لم يعد الأمر مجرد بصيص أمل، بل أصبح تحولًا حقيقيًا.

لقد امتلأت القاعة في كل مرة كنا نقيم حفلًا أو أمسية. لم يعد الحضور مجرد متفرجين، بل كانوا مشاركين بقلوبهم وأرواحهم. كانت وجوه الناس تفيض بالسعادة والأمل، وعادت الابتسامات الصادقة تضيء المحيا. لم يعد اليأس يسيطر على تعابيرهم، بل حل محله بصيص نور بدأ يكبر.

غير أن رحلتنا التي قررنا البدء بها، تلك الرحلة التي تجاوزت جدران القاعة، استطعنا من خلالها أن نرى العالم يتغير من حولنا، ليس فقط في الوجوه، بل في كل تفصيل صغير.

بالطبع! لم يكن الأمر مجرد عروض فنية أو ندوات نفسية. بعد أن فهم العالم أخيرًا أن الحياة لن تعود مثلما كانت، لن يستعيد الكون ألوانه ونكهاته إلا إذا استتب السلام. والسلام الحقيقي لا يأتي إلا بمعاهدات تُوقّعها كل دول العالم، معاهدات تُنهي خلافاتهم وتُعلي راية السلام فوق كل اعتبار.

لقد كانت جهودنا وجمعية "إشفاء"، بمثابة الشرارة التي أيقظت وعي العالم. عندما رأى الناس الألوان تعود خافتة، والنكهات تومض بين الحين والآخر بفضل الحب والشفاء، أدركوا أن هناك رابطًا مباشرًا بين الصراعات التي يغدونها وبين هذا التلاشي الوجودي.

هذا الإدراك المشترك دفع قادة العالم إلى الطاولة. لم يعد هناك مفر من مواجهة الحقيقة: أن ثمن الحرب لم يكن فقط أرواحًا تُزهق وأوطانًا تُدمَّر، بل كان جوهر الحياة نفسها. كانت اجتماعات مكثفة، ومفاوضات شاقة، لكن رؤية الأمل الذي بدأ ينمو في قلوب شعوبهم، والعودة البطيئة للجمال إلى عالمهم، كانت الدافع الأقوى.

لقد أثمرت الجهود والتوعية. لم يكن السلام مجرد معاهدات ورقية، بل كان قرارًا جذريًا بتحويل مسار البشرية. لقد اتفقت الدول على منع تقديم أي نوع من السلاح لأي دولة منعا باتا. كان هذا إعلاناً صريحاً بأن عصر القتل والدمار قد انتهى. وكنتيجة مباشرة لهذا القرار التاريخي، أُغلقت كل المصانع التي كانت تصنع الأسلحة، وتحولت آلات الموت إلى صمت أبدي. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل صدرت قوانين صارمة لسجن كل من يعرض بيع أو تصنيع الأسلحة، مما رسخ التزاماً عالمياً حقيقياً بالسلام.

كان التأثير فورياً ومذهلاً. عادت الحياة لطبيعتها بشكل لم نكن نجرؤ حتى على الحلم به. الألوان، التي كانت تتسلل خلسة وبخجل، انفجرت الآن بكل رونقها وجمالها. السماء استعادت زرقتها العميقة، والأشجار اخضرت بأوراقها النابضة بالحياة، والزهور تفتحت بألوان لم يرها جيل كامل من البشر.

والطعام... يا له من معجزة! النكهات عادت أفضل مما كانت عليه في أي وقت مضى. كل قضمه كانت احتفالاً. الفاكهة كانت أحلى، الخضروات ألذ، والخبز يفوح برائحة تبعث الدفء في الروح. لقد أصبحت الوجبات تجربة حسية كاملة، تملأ الأرواح بالبهجة والامتنان. العالم لم يعد مجرد مكان للبقاء، بل أصبح مسرحًا للجمال، للنكهات، وللحياة التي تستحق أن تُعاش بكل تفاصيلها.

برهنت من خلال حكاية الكون بلا لون" أن السلام ليس مجرد غياب للحرب، بل هو حضور للحياة بكل ما فيها من جمال ورونق.

panet@panet.co.ilاستعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات لـ

إعلانات

إعلانات

اقرأ هذه الاخبار قد تهمك