المحامي زكي كمال يكتب : هل القيادة تشريف أم تكليف؟
02-05-2025 05:51:09
اخر تحديث: 02-05-2025 09:12:00
لا شكّ في أنّ صفة عدم الاستقرار كانت وما زالت السمة الغالبة للوضع في الشرق الأوسط منذ أوائل القرن الماضي، وتحديدًا الاعتبارات التي حكمت تقسيمه إلى دول ورسم حدودها عبر "تدخّلات خارجيّة"،

المحامي زكي كمال - تصوير: موقع بانيت وصحيفة بانوراما
وربما بسبب هذه التدخّلات وخدمة لها، فوراء الأكمة ما وراءها، ما زالت هذه التدخّلات قائمة حتى اليوم، وإن كانت ناعمة وسلسة وسياسيّة ودبلوماسيّة، وكأن هذه الصفة لا تكفي وحدها، فإن نظرة سريعة وخاطفة اليوم وفي العقدين الأخيرين على أوضاع هذه المنطقة تكفي للتيقّن من أن هذه المنطقة كلها دون استثناء، بما في ذلك إسرائيل التي اعتبرت نفسها طيلة العقود الخمسة الأولى من حياتها على الأقلّ، رمزًا للاستقرار والهدوء والترابط التامّ بين المجموعات داخلها، واعتبار قياداتها بأنه يتم انتخابها من باب الكفاءة والقدرة، وأن مواطنيها يملكون من الشجاعة والقدرة ، الكمّ الكافي لمراجعة الذات وتغيير الاختيارات كما حدث عام 1977 واعتلاء الليكود برئاسة مناحيم بيغن سدّة الحكم بعد 29 عامًا متتالية من حكم الأحزاب العماليّة المنتمية فكريًّا إلى التيّار الفكريّ الذي قاده دافيد بن غوريون رئيس وزرائها الأول ومن كان معه. يعاني الشرق الأوسط إضافة إلى عدم الاستقرار أزمة في القيادة السياسيّة، بل أزمة في فهم معنى ومفهوم القيادة السياسيّة، التي ينظر إليها الغرب كقيادة تشمل العمل المشترك بين الزعيم والشعب، أي العمل كمؤسّسة، بينما ينظر إليها العرب على أنها "عمليّة" فرديّة، أو عائليّة أو طائفيّة وليست شاملة، ومعها كما تؤكّد السنوات الأخيرة والتي تلت الربيع العربيّ خاصّة، والعقدين الأخيرين في إسرائيل التي أصبحت بحالتها اليوم وما سبقها، جزءًا لا يتجزّأ من الشرق الأوسط سياسيًّا وثقافيًّا وجماهيريًّا، أزمة ربما تكون الأقسى والأخطر ملخّصها السؤال حول الاعتبارات التي ينتخب المواطنون فيها قياداتهم، أو زعاماتهم السياسيّة، وهل هي نفسها تلك المتّبعة في الغرب أم أنها اعتبارات خاصّة، تنوّعت أسبابها واختلفت، لكنّ نتيجتها واحدة، وهي اختيار قيادات تتّجه نحو الحفاظ على الوضع القائم وإبقائه كما هو، وبذلك البقاء السياسيّ في السلطة، وهي المشكلة في كيفيّة اختيار القيادات أو الاعتبارات التي تحرّك المواطن للإدلاء بصوته لصالح مرشّح دون غيره أو حزب دون غيره.
"سيّد الأمن وسيّد الاقتصاد" والمدافع الوحيد عن وجود إسرائيل وأمنها وأمن مواطنيها
ما سبق ليس حالة نظريّة، بل واقع مؤلم يعني عمليًّا مشكلة ومعضلة كبيرة أطرافها ثلاثة، الأول زعماء يتم انتخابهم ليس وفق مؤهّلاتهم أو ليس وفقها فقط، بل أيضًا وفق المشاعر، أو التوقّعات الشعوريّة التي يثيرونها والتي تجعلهم في نظر مؤيّديهم " الوحيدين القادرين" أو " حماة الديار"، أو أولئك الذين بدونهم لا وجود للدولة حتى لو كانوا سببًا في أزماتها وخسائرها قبل حين فقط، فهم قادة والأصحّ زعامات سياسيّة، يلعبون دور القائد الرمز للمجتمع والمحافظين على آماله وهيبته وكرامته. وهي حالة ترتبط بنمط الزعيم الجماهيريّ الكاريزماتيّ، كما حدث في مظاهرات حزيران، يونيو 1967 في مصر عندما التفت الجماهير حول الرئيس حينه جمال عبد الناصر، بعد أيام من هزيمة السادس من حزيران، واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء بالكامل، ومعها الضفة الغربيّة وشرقي القدس وهضبة الجولان ، وهي حالة كان من الممكن أن تكون معاكسة لولا الشعور السائد تجاهه حينها بأنه الزعيم الذي لا بديل له، أي أنه كان سيتحوّل إلى مشجب تلقي الجماهير على عاتقه مسؤوليّة الإخفاق والهزيمة. وهي نفس الحالة التي يبدو أن إسرائيل تعيشها في السنوات الأخيرة، والتي يتم فيها مرة تلو الأخرى انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسًا للحكومة باعتباره "سيّد الأمن وسيّد الاقتصاد" والمدافع الوحيد عن وجود إسرائيل وأمنها وأمن مواطنيها، رغم أن الحقائق تؤكّد العكس خاصّة ما يتعلّق بالشأن الإيرانيّ ووصول إيران اليوم إلى عتبة الحصول على أسلحة نوويّة والأوضاع الاقتصاديّة التي تتدهور باستمرار وهروب الأدمغة والمستثمرين بسبب الانقلاب الدستوريّ، وتدفّق الأموال القطريّة إلى حركة "حماس"، وما أسفر عنه ذلك على شاكلة هجمات السابع من أكتوبر 2023، وهي خاتمة صدامات عسكريّة محدودة ومتتالية بين إسرائيل و "حماس" غذّتها أموال قطر والتي أكدت معلومات استخباريّة أن إسرائيل كانت على علم أن جزءًا منها يتم استخدامه لبناء الأنفاق والقدرات العسكريّة، ورغم ذلك تكررت نتيجة الانتخابات والتي انتهت بفوزه، رغم ما يعتري حكوماته كلها، وما يرافقه هو من ملفّات فساد تتم محاكمته بتهمة تلقّي الرشوة وخيانة الثقة والائتمان وغير ذلك، ورغم ذلك استطاع بحنكته والكاريزما الخاصّة به، من ضمان ولاء قاعدته الانتخابيّة التي يفسر معظم أفرادها ولاءهم له بأن لا بديل له، وأنه الوحيد الذي يمنحهم الشعور بالأمان.
البديل الوحيد للإخوان المسلمين والضمان لمنع حكم دينيّ أو حكم الشريعة
ما سبق ، هو حالة تكرّرت في الشرق الأوسط مرّة تلو الاخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر انتخاب عبد الفتَّاح السيسي رئيسًا لمصر، نتيجة الشعور الجماهيريّ بأنه البديل الوحيد للإخوان المسلمين، وأنه الضمان لمنع حكم دينيّ أو حكم الشريعة الذي عادة ما يتميز بتأليه القائد، واعتبار بقائه العامل الأهمّ، وتقييد الحريّات خاصّة للأقليّات والنساء، وهو ما اتّضح أنه غير صحيح بل إنه عكس الحقيقة، وهو نفسه الذي حدث في تونس التي شهدت انتخابات ديمقراطيّة أشاد بها الجميع وانتهت إلى فوز قيس بن سعيد بالرئاسةـ، مستفيدًا من شعور الجماهير أنه الوحيد القادر على قيادتها إلى برّ الأمان، وإلى عهد من الديمقراطيّة والتطور والازدهار ومشاركة جميع فئات الشعب في الحكم بعكس ما كان خلال سنوات حكم زين العابدين بن علي الذي حكم تونس بطريقة حكم الرجل الواحد، واستغل مقدّراتها وثرواتها لمصلحته ومصلحة مقربيه، أو تحديدًا لمقرّبي زوجته ليلى الطرابلسي، ليتّضح العكس تمامًا عبر إلغاء نتيجة الانتخابات وإلقاء معظم قادة المعارضة في السجون، تمامًا كما في مصر، بما يذكّر بنداءات بعض أقطاب الحكومة الحاليّة هنا في إسرائيل والمطالبة بسجن معارضي نتنياهو وقادة الاحتجاجات الشعبيّة، بمعنى المطالبة بتناسي أخطاء الزعيم وتقصيره، ونتائج سياساته الاقتصاديّة والسياسيّة، في ظاهرة يمكن اعتبارها "ظاهرة ستوكهولم السياسيّة"، أي تأييد الزعيم الذي ألحق الضرر الكبير بمواطنيه ومؤيّديه، لمجرّد أنه يخلق في أوساط المصوّتين الشعور بالثقة والاطمئنان والكرامة في مواجهة ما يواجهه الفرد من توتّر وإحباط وخوف نتيجة للصراعات والمواقف الاجتماعيّة، وهنا يصير القائد وبقاؤه أحد مقوّمات، أو وسائل الدفاع والوقاية، نحو اعتقاد الفرد أن بقاء الزعيم يساعده في تخطي التوتّر والإحباط، واعتبار نفسه امتدادًا للزعيم السياسيّ موضع تأييده، أو انتخاب المواطنين نفس الزعيم كردّ معاكس على فشلهم في تحقيق أهدافهم الخاصّة، والاستعانة بدل ذلك بتحقيق الأهداف العامة التي يعكسها ويتبناها الزعيم السياسيّ، وبذلك تتحقّق مساعي الزعيم في البقاء السياسيّ معتمدًا على البعد العاطفيّ الذي يغرسه في عقول أنصاره وإقناعهم بشتى الطرق أنه الأفضل، وأن بقاءه هو الأهمّ، وهو ما يعيد إلى الأذهان الفارق، أو ضرورة إدراك الفارق بين القيادة والرئاسة، وهو إدراك إذا ما توفّر- وللأسف فهو لا يتوفّر في الشرق الأوسط ولا في إسرائيل ولا في المجتمع العربيّ بانتخاباته المحليّة والبرلمانيّة عبر تكرار انتخاب نفس الشخصيّات والأحزاب التي أكل الدهر عليها وشرب- ومن هنا أقول إن الشرق الأوسط يعاني إضافة إلى مشاكل القيادة، مشكلة هي عدم القدرة على التمييز بين القائد والرئيس (الزعيم)، فالقائد الحقيقيّ يأخذ بعين الاعتبار، خلال مزاولته مهامّه وممارسته السلطة السياسيّة، حاجات المواطنين والجماهير، ويتعامل معهم على أساس من التعاون والاحترام سعيًا إلى تحقيق الأهداف العامّة، بينما الرئيس أو الزعيم، هو من يمارس السلطة ويتجاهل الجماهير، ويعتبرهم في عداد المفروغ منه، فما يهمّه من ممارسة السلطة والبقاء فيها هو تحقيق أهدافه الخاصّة.
هذه القيادات أو الزعامات، عادة ما تكون ذات طابع "جامد وغير مبادر"، فهي زعامات ترفض التغيير أو تحاول منعه، كما أنها والقيادات في الشرق الأوسط كله خير مثال، ترفض أو تتوانى عن اتّخاذ القرارات الصعبة والخطيرة حتى لو كانت تلك القرارات معارضة للشعور العامّ، أو لا تحظى بالشعبية الجماهيرية ، واتفاقيّة كامب ديفيد ومواقف القائدين حينها مناحيم بيغن وأنور السادات خير مثال، فقرارهما الذهاب إلى مفاوضات سلام قوبل بالرفض الجماهيريّ وحتى السياسيّ لكنهما أصرّا عليه من باب مكانتهما القياديّة وإيمانهما أنه القرار الأفضل لشعبيهما، فالقيادات الحاليّة في شرقنا وبلادنا، تندرج ضمن تعريف "القيادة غير المتداخلة" وهي في الحقيقة ومن حيث النتائج والأداء على أرض الواقع وليس على مستوى التصريحات والبهرجات الإعلاميّة، قيادة أقلّ كفاءة من القيادتين الأوتوقراطيّة أو الديمقراطيّة، وذلك لكونها قيادة سلبيّة، فالقائد لا يشارك في صنع القرارات أو السياسات، ولا يبادر إلى اتخاذ الخطوات بل ينجرّ وراء الأحداث ويكتفي بالردود، أو ربما أخطر من ذلك، فهو لا يضع سلم أولويات يخدم شعبه، أو يرسم معالم الطريق نحو المستقبل، أي أنه يكتفي بإدارة الأمور دون التخطيط والمبادرة، متجاهلًا الحقيقة أن القيادة السياسية هي ليست فقط القدرة على إدارة الأمور، بل التخطيط للمستقبل واليوم التالي لكافّة الصعد، وليست إدارة الصراعات والنزاعات، بل السعي إلى حلّها وطرح البدائل والحلول، فهو زعيم كثير القول قليل الفعل، تصريحاته رنّانة أما أفعاله فشبه معدومة.
"إدمان أو ميل إلى المعروف والموجود"
على صعيد الشعوب، وما وصفته بأنه خلل في طريقة انتخاب الزعماء، يجدر القول إن انتخاب أو اختيار قائد ما في العالم عامّة وفي الشرق الأوسط خاصّة، ليست عمليّة عقلانيّة مئة بالمئة، بل إنها عمليّة تتداخل فيها العاطفة وتحديدًا الشعور بالأمن والأمان الذي يثيره مرشّح ما، عبر ضمان الوضع القائم وعدم إحداث اهتزازات كثيرة، مقابل مرشح مختلف يثير الشعور بالقوّة عبر تغييرات وتحرّكات دائمة، وبالتالي يطرح السؤال، ما الذي يريده الجمهور وما الذي يجذبه، وعد بهدوء كاذب، أو ثورة وتغييرات مخيفة، ومن هنا فإن قرارات شعوب المنطقة إبقاء الوضع القائم، أو التصويت المتكرر لزعماء يكثرون الكلام وتنعدم أفعالهم، هو حالة تفسر على أنها "إدمان أو ميل إلى المعروف والموجود" بعيدًا عن السعي إلى المنشود، وهذا توجّه، وإن كان يمكن فهمه دون تبريره، يحمل في طيّاته وعلى المدى البعيد ، تأثيرات خطيرة، بل إنه استراتيجيّة ثمنها باهظ، على شاكلة قرارات لا تُتخذ في الوقت المناسب، وأزمات لا تتم معالجتها، بل إدارتها بينما هي صغيرة الحجم والخطورة لتتحوّل بعدها إلى كوارث هدامة، ومنها ازدياد نفوذ الحركات اليمينيّة الكهانيّة في إسرائيل، وبالمقابل تعزّز النزعات الدينيّة المتطرّفة في عدد كبير من الدول العربيّة وسوريا خير دليل، أما الاخطر من ذلك فهو ميل الجماهير، وكلما استحكمت حلقات الأزمات، إلى عدم البحث عن الحلول، أو عن مرشّحين يطرحون الحلول الصحيحة، بل الاكتفاء بمن يمنحهم الشعور بأنه الأفضل، ولا يبحثون عن زعيم بإمكانه توفير الحلّ، بل عن زعيم يقول لهم، عبر ظهور تلفزيونيّ أنه وحكومته يبذلون كافة الجهود، وكفى الله المؤمنين شر القتال، وصولًا إلى حالة تموت فيها الأيديولوجيّات والبرامج الانتخابيّة الحقيقيّة، وتنتعش فيها صناعة الشعارات الغوغائيّة والفذلكات الإعلاميّة في تكريس لظاهرة "القائد التقليديّ"، وهو ذلك القائد الموجود غالبًا في المجتمعات البدائيّة، له سلطة مطلقة مستمدّة من ولاء الأفراد له وطاعتهم، استنادًا إلى الأعراف والتقاليد وطرق التصويت المتوارثة (نسمع كثيرًا جملة: أنا أصوّت للحزب الفلاني أو للقائد العلّاني وكذلك والدي وجدّي وكل العائلة كمبرّر أو تفسير للتصويت) فضلًا عن التركيز على الدين، كما حدث في دول عربيّة ارتفعت فيها أسهم الحركات الدينيّة وازدادت شعبيتها وأصبحت أقرب إلى السلطة، رغم ما ثبت خلال العقدين الأخيرين من فشل التوجّهات التي تتبناها الحركات الإسلاميّة، في تغيير الواقع لدول المنطقة، وتراجع الأيديولوجيا القوميّة العلمانيّة ليطغى عليها أفقيًّا الخطاب الدينيّ، عبر خلط بين القوميّة والدين، ونتائج ذلك جليّة، لكن الواقع هو كونها تتم في مجتمعات هي مجتمعات مسلمة، لا تقبل الفصل فيها بين الدين والدولة، أي إبقاء الدين شأنًا للعلماء والفقهاء، وإبقاء السياسة شأنًا للأحزاب السياسيّة وهو الحال في إسرائيل اليوم عبر تعاظم قوّة وتأثير الحركات الدينيّة والخلاصيّة المتطرّفة وسيطرتها على مقاليد السلطة، أو مواضع الضغط والتأثير.
إذن، الميل إلى اختيار الزعيم المألوف كما هو الحال في الشرق الأوسط كله، وقبول بقائه على رأس سلطته دون تحديد، بل تطويع الدساتير والتشريعات للسماح بذلك، هو التعبير الأفضل عن وجود جماعات تحرّكها، بل توحّدها وتجمعها مقاومة التغيير، ورفض البديل، يرافقه هوس المسؤولين بالسلطة وقبول الجماهير بالفساد، من باب عدم إيمانها بأن المستقبل يمكن أن يحمل الأفضل، أو القبول بزعيم يوفر لهم الشعور الزائف بالأمان، عبر تسهيلات ماليّة، أو غوغائيّات سياسيّة ودينيّة، وإلى ذلك يجب إضافة العامل الاقتصاديّ، فالفقر يصبّ في مصلحة الزعماء غير المتداخلين، انطلاقًا من أن الشعب الذي يلهث طوال اليوم وراء لقمة العيش لن يجد الوقت الكافي للتفكير بتغيير القيادات ومعها تغيير نمط الحياة الذي يعيشه، وألم اكتشاف كونه النمط الخاطئ إلى أبعد الحدود، وبأن الأوضاع لن تتغير إلا إذا تغير الإنسان عملًا بقول الآية الكريمة:" إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" .
المطلوب قيادات جديدة، تفعل ولا تتكلّم، تبادر ولا تكتفي بالردود
ختامًا، الرغبة في التغيير المدروس بعد استخلاص العبر هو ما ينقص الشعوب في الشرق الأوسط وضمنها إسرائيل وبالتالي تجد نفسها أمام زعامات تجلس عقودًا وسنوات على سدّة الحكم، ترفض اتّخاذ قرارات شجاعة وهذه هي القيادات المطلوبة اليوم في منطقتنا، فالمطلوب قيادات جديدة، تفعل ولا تتكلّم، تبادر ولا تكتفي بالردود، تتحلّى بالشجاعة والمصداقيّة ونقاء اليدين وعلى كافّة الأصعدة الإقليميّة والمحليّة، تبادر إلى حلّ الأزمات منعًا لتكريس نزاعات وإبقائها دون حلّ كالنزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ الذي يمكن تشبيهه بأنه نهر متدفق يفضّل كلّ من يدخله الاكتفاء بوضعه الحاليّ، دون التعمّق في مجراه وتاريخه وبالتالي يصعب حلّه. والشعوب هي التي يمكنها إجبار القيادات على الحلّ، كما أنها القادرة على إحداث التغيير، مستفيدة من تجارب تاريخيّة ومن تجارب شعوب أخرى تبحث دائمًا عن مكامن الخلل وإمكانيّات التحسين والتغيير نحو الأفضل، تعيد النظر في كل الأمور بما فيها المواقف السياسيّة والدينيّة والاجتماعيّة، وآليّة اختيار القيادات، وصولًا بعد البحث والتمحيص إلى اختيار القياديّين، وليس الزعماء، وذلك على أساس القدرات والرغبة في خدمة المصلحة العامّة ومدى الإنجازات، وإلا لن يطول حكمهم بل سيتم استبدالهم، عملًا بقول الكاتب المعروف ويليام شكسبير : "لا شيء يبقى فكل شيء إمّا أن يتغير أو يرحل" مع ضرورة الإشارة وببالغ الألم إلى أن شكسبير بقوله هذا كان يتحدّث عن الغرب.. أما شرقنا فشكسبير وقوله المختصر هذا في واد وهو في وادٍ سحيق آخر، فهل نعتبر الأمور قضاءً غير قابل للتغير والتبديل تمامًا كما قال الفيلسوف اليوناني ديموكريتوس بأن الكون كله بناسه ومضامينه كتلة واحدة لا تتغير ولا تختفي، أو كقول الفيلسوف هركليتوس بأن العالم نهر جارف ديناميكيّ، وأن التغيير هو المركَّب الأساسي للواقع الذي نعيشه!! القرار لنا..
ويبقى السؤال هل القيادة تشريف وتعظيم أم تكليف وخدمة بأمانة وإخلاص للشعوب التي من المفروض أن تنتخب قياداتها الصالحة وليست الطالحة والمستبدّة .
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il
من هنا وهناك
-
مقال: الخطايا الثلاث لمرشح الانتخابات - بقلم : اسعد عبدالله عبدعلي من العراق
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي.. عسل
-
المحامي زكي كمال يكتب : ترامب .. بين قيادة العالم وجرّه إلى الهاوية
-
‘لم يكن بالإمكان أفضل مما كان‘ - بقلم : وسام بركات عمري
-
الحسّ الأنثوي في رواية ‘رحلة إلى ذات امرأة‘ للروائية المقدسية صباح بشير - بقلم : علاء الأديب
-
‘ في ذكرى وفاة أبي: لا عزيز ينسى ولو مرّ على وفاته ألف عام ‘ - بقلم : الكاتب أسامة أبو عواد
-
‘ أرجوحة ماغوطيّة ‘ - بقلم : حسن عبادي من حيفا
-
‘ تغيير الواقع ‘ - بقلم : د. غزال ابو ريا
-
المحامي زكي كمال يكتب : العنصريّة داء الأمم وبداية تفكّك الدول
-
‘ بدون مؤاخذة-التّكيّف والتّهجير ‘ - بقلم : جميل السلحوت
أرسل خبرا